إن خمسة عشر ألف منطقة ظل يقطنها ثمانية ملايين و نصف ساكن، تعتبر مؤشرا صارخا على الإهمال المتراكم، وتدل على الفرص الشاردة في اقتناص مفتاح التنمية لما يمتلكه الظل من قوة المركز من حيث موارده الإنتاجية، لولا النزعة التقليدية القاصرة في الإرث الإداري لبلادنا التي بقيت عاجزة عن ايصال النور للأطراف، وأصيب القلب النابض في المركز باحتشاء عضلة التنمية لسائر الجسد طيلة عقود طويلة من الاستقلال، وبنظرة فاحصة على ما يتم رصده من مشاريع تنموية على امتداد ولايات الجمهورية سنخلص إلى تطور المركز وانحسار الهامش، وإن كان تطورا شكليا يتجلى بشكل قسري
في تفاوت المبالغ المرصودة، وبنظرة اكثر إيغال سنكتشف رسوخ الصورة النمطية حول أفضلية العيش في الشمال على الجنوب، و التمايز الواضح بين المدن على الأرياف، حتى أصبح "الداخل" وباقي أرجاء الوطن كما تنعته النشرات الجوية يستشعر أنفة المركز وتابعية الهامش، ويتوجس من الامتداد الرهيب للأفق الهرمي في تسيير الثروة وتوزيعها.
يتقوى الهامش بكينونته المحلية، وينبعث من خصوصيته التي تنحو إلى دحر السلبية التي يخلقها المركز بإهماله وتعاليه، ولا يمكن للعلاقة بين القلب والأطراف أن تكون سليمة إلا إذا استتبت قيم المساواة لتمنع مسببات الاهتزاز الاجتماعي، ومناط ذلك كله مقترن بالإعلام الموضوعي والنزيه في إنعاش العلاقة الصحية بين المركز والهامش، وفي شحن التيار بين كوة النور والظل الممدود بين ألاف المناطق وملايين الساكنة.
إن البلديات المنسية تحمي في طياتها بلدات لازالت نسيا منسيا، والقرى المجهولة في الحدود وهوامش المدن المحترقة تحتاج إلى منبر يرفع صوتها لصاحب القرار المركزي وهو يتنعم في الأرائك تحت المكيف، وتعرفه بالخلل وما يقابله من حل ينوس بين الخزينة العمومية و الرقابة على تسيير المال العام في المناطق المظلمة، لأن تصدع الأطراف مؤذن بتصدع المركز وانهيار العدالة التنموية.
سيتمحور حراكنا الإعلامي الذي اخترناه لموقعنا ضمن الحق في التنمية المتوازنة، ورصد الشرخ التنموي الذي يقف في طريق عدالة الإقليم المحلي ودولة المواطنة. و تبيان الرزايا التي باتت ترزح فيها الجماعات المحلية، كما سيكون ضوء متغلغلا على البنيات الأساسية في الأحياء والقرى والمداشر وحظها من الإنصاف التنموي، سنناقش الممكنات التي تحد من التوزيع غير المتكافئ للمال العام في تلك الأقاصي المهمشة، والتي تنذر بانهيار قيم الديمقراطية المحلية، ونكون عينا ثاقبة على الاستقطاب الطبقي في أقاصي الظل ونكون صدى لهواجس القاطنين فيها، والسعي بكل حياد وموضوعية إلى تعرية الواقع المحلي من أعالي حيدرة إلى قفار تينزاواتين.
مروان طيب بشيري