عندما تستثير مشاهد الأطفال الحفاة و طوابير العجزة عند الحنفية الوحيدة في الحي دموع الوزير الأول، وتعتصر الحسرة قلوب وزراء حكومته أثناء مشاهدة شريط راصد للمناطق المهمشة، وعندما تذوب قلوبهم حسرات على منظر الخرابات المنثورة في المدن الداخلية، سنكون أمام الفجوة الشاسعة بين أفراد الحكومة والغلابى، كأن افتجاء الوزير دليل ساطع على غياب الصورة الحقيقية التي ترزح تحتها المناطق المهمشة وتواريها عن ناظريه لدرجة التأثر، وتعكس تلك الصدمة أن الجزائر من الأعلى ليست أبدا تلك الجزائر التي تختفي تحت تراب المسالك الوعرة في قرى البسطاء والحالمين بالماء والكهرباء ومدرسة قريبة لأبنائهم.
لا مراء في أن تلك المشاهد قد أيقظت مصطلح مناطق الظل في خطابات المسؤولين ، فتهافتوا في رصد تلك المناطق، حتى أن العاصمة وحدها أحصت ما يربو عن 299 منطقة ظل في 34 بلدية تقتضي تجسيد 600 عملية تنموية فقط في السداسي الأول من سنة 2020، ونجد مقاطعة إدارية مثل الرويبة ترصد ما يزيد عن 1.7 مليار دينار جزائري لتنفيذ 114 برنامج تنموي لصالح مناطق الظل عبر بلدياتها، ليصبح هذا المصطلح برنامج حكوميا يمتد من خنشلة التي خصصت لريف بلدية خيران 09 مشاريع ذات طابع تنموي، مرورا إلى بومرداس التي أحصت هي الاخرى 322 منطقة ظل تستوجب تجسيد 300 عملية تنموية، وصولا إلى تندوف التي سجلت 48 برنامج تنموي تم تجسيد 25 منها، تعريجا إلى وهران التي رصدت 141 مليون دينار جزائري ببلدية وادي تليلات لتنفيذ 08 برامج تنموية، انتقالا إلى برج بوعريريج التي خصصت 80 مليون دج بدائرة الجعافرة وبلدياتها من أجل إنجاز 17 برنامج تنموي، وغيرها من البرامج التي انطلقت في كل ولايات الجمهورية.
إن هذا الإصطفاف الفجائي لا يبعث على العجب بقدر ما يبعث على الحيرة في مدى التغافل التي عرفته الجزائر العميقة طيلة عقود خلت، ويرتهن إلى مدى جدية المسؤول المحلي في تنفيذ هذه البرامج التنموية من حيث احترام الآجال وشفافية التجسيد، خصوصا إذا كانت الحكومة قد اتخذت من مناطق الظل رهانا للتنمية المحلية، وإن اقتصر الأمر فقط على تحقيق بنية تحتية تفتقر لآليات الإقتصاد المنتج، حيث ستبقى الإنطلاقة التنموية تقتضي تأهيل هذه المناطق قبل التفكير في جعلها محركات ذاتية للإقتصاد المحلي.
إن تكفل كل وزارة بقطاعها في مناطق الظل وبذل مزيد من أدوات الرصد والتكفل الفوري سيبقى رهين قدرة الجماعات المحلية في رسم ملامح التنمية، و نزول المسؤول من مكتبه إلى تلك الفضاءات بدل اكتشافها عبر شاشة العرض، وكفكفة دموع المواطنين بدل البكاء على أوضاعهم.
مروان طيب بشيري