نكتسب شكل اللسان من علاقتنا بالأرض .. لذلك تبدو حروف التيفناق عميقة في الرمل ومديدة كالسماوات.. وتتجلى في شعر التوارق الملثمين بدوائر الكون في أقدم أبجدية في العالم على مر العصور .. ولازال العالم يصغي للرجل الأزرق وهو يحرك الحروف البكر في لغته الأولى فيمنح للإنسانية صوتا مغايرا عن الصحراء البهية بما هي عليه من تميز في أنين الفلاة وتسبيح الرمل وشساعة الآفاق.
ينقسم الأدب التارقي إلى فن ذي ثلاث شعب.. تيسيواي تعني الشعر، حيث يلقن الآباء قصائد الشعر لأبنائهم حين يتوضؤون
بضوء القمر في الليالي الصامتة، أما تينفوسين فهي لذة القصص أو غزل الأمهات لثوب الحكاية، أما أساهغ فهي الأهازيج و إيقاع الأغنيات حين يفتخر المحاربون بنصرهم كل مساء وهم يستأنسون بمنظر الإبل في المراعي.
يحتفي شعر الطوارق بالجزائر أيما احتفاء ، فالرجل التارقي تسري البلاد في ظاهره وباطنه.. في الدم والكحل وضربة الأقدام على الكثيب.. وتظهر محبة الوطن طاغية في السيف والصرخة و صوت الفضة وفي وسوسة الحلي، لقد قاوم الطوارق المستدمر الفرنسي وخلدوا معاركهم:
عندما أقبل “آمود” ودقت طبول الحرب
استقبلناه بالبنادق والرجال
قدمنا له ما عندنا من المهاري والجمال
الضامرة الساحرة المدربة على الرقص والقتال.
يعلم الشعراء الطوارق سر الحنين إلى المشرق ويمين اللغة، في أقدم هجرة بشرية إلى عمق إفريقيا، ولا زالت روح التيفيناق تنوس في أوصال الشعراء الزرق حين يرقمون الشعر على الصخر وجدران الكهوف، ويرددون قصائدهم في حلقات موسيقية تلاحق سر التدوين وتتكشف عن مناكب المعنى.
مثل الشاعر الطوارق " محمدين خواد" المولود بالنيجر صوت الصحراء ولسان القبيلة حين تغنى بالفرح والعطش والبحث عن الحب داخل الذات، وفي الجزائر تلقفت الفرق الموسيقية الأشعار مشافهة من صدور الشعراء كما هو الشأن مع فرقة إمرهان الطارقية فتغنت بالشمس والقافلة و رفعت اللثام عن خبايا الإمزاد وروح الراعي، وكلما كان التيندي يضرب لحنه إلا وحامت طاقة الأسلاف تحدث أخبارها في الشعر وتنقله نحو دفاتر العالم.
الشعر التارقي ظل حبيس الصحراء ولم يلق الإحتفاء الرسمي كما لقيه في المهرجانات الدولية، ولازالت قصائده تستفز الباحثين ليوقروه ويرفعوه إلى مصاف الثقافات العالمية الأصيلة .