منذ أن هدم بيرتولد بريخت الجدار الرابع في المسرح، و المسرحيون في أدرار يحلمون.. ولا زالوا يحلمون ببناء جدرانه الأربعة.. حين جعلوا من الرمل خشبة الممثل ومن القمر إضاءة بدون مهندس، ومن آذان الجمهور المرهف ترجمانا للصوت الحكائي..إنه الشغف الذي استسقى غيمة اللامرئي في نصوص التمر والشاي ورقصة الصحراء.. و المديح الذي امتص لحن الإيهام داخل عقل الجمهور.
تتفجر الحركة المسرحية في أدرار بالأفكار الثورية وصخب الإنطلاق في فهم هوية الجنوبي ورسوخ قدميه مثل غابات النخيل وصخور
الجبال النائيات، فلقد شق المسرحيون في أدرار طريقهم حفاة تحت لفح الشمس، إنها تحديات مضنية حين تقطف جوائز الإبداع في الوطن وخارجه ثم تأوي إلى أدرار مثل يتيم لا بيت له ولا ركح يهدهد جن الإبداع داخل جنباتك، ومن الخيبة أن يصل صوتك للآخر في حين تظل قريتك التي أنجبتك مشتاقة للاعتراف بك تحت سقف مسرحي، إنه الهاجس الذي يؤرق العائلة المسرحية وإشتراكها الحميمي في رفع مطلب المسرح الجهوي والنضال من أجل تحقيقه، لا سيما وأن الحركية التي تعرفها مؤسسات المجتمع الثقافي بهذه الولاية قد برهنت بجلاء على أحقية أدرار في الاستفادة من مسرح جهوي، على غرار ما تقدمه الجمعية الثقافية للفنون الدرامية لولاية أدرار التي دأبت على تنظيم الأيام المغاربية لمسرح "النخلة الذهبية" في قصر الثقافة، وكذلك جمعية أسود الخشبة للفنون الدرامية التي اجتهدت طويلا هي الأخرى في المحافظة على تنظيم المهرجان الولائي للفرجة والضحك، ولا يمكن الحديث عن المسرح الجنوبي دون الوقوف عند منجزات جمعية فرسان الركح وجمعية الفنون الدرامية، ويظل جسد المسرح الأسمر خاويا دون الحديث عن أرواح المسرح التي رفعت إسم أدرار في الوطن خارجه، من قبيل الفنان المسرحي الراحل فتح النور بن إبراهيم الذي ساهم بتأسيس مسرح الجنوب، و عمد إلى تأسيس جائزة " الكاكي الذهبي"، ويذكر في رواق الفاعلين ما يصنعه الفنان عقباوي الشيخ، رئيس هيئة المسرح العربي و سفير أدرار في المسرح العالمي، وغيرهم من المبدعين من أمثال شادي العيد الممثل والكاتب المسرحي، والمبدع خيراني عبد القادر، والمبدعة ميموني سهيلة، والقائمة حبلى بالطاقات ورواد المجتمع المسرحي.
أسست وزارة الثقافة 20 مسرح جهوي، وعكفت هيئاتها على تنظيم أيام مسرح الجنوب بالعاصمة، في مفارقة عجيبة جسدت أحجية البقرة في الجنوب وضرعها في الشمال، وكرست كربة الثقافة في الجنوب وريعها في الشمال، رغم أن المسرح ساهم في تولد عهد جديد يقوم على انصهار الفن في بوتقة عصية على التصنيفات الإدارية وخطوط الجغرافيا الوهمية، وبالخصوص تلك الروح الحالمة في المنجز المسرحي بأدرار وهي تشرئب ثابتة كالنخلة في انتظار مسرح جهوي يحيط بها إحاطة السور للبستان الرغيد.