خمسون ألفا أو يزيدون هم عمار البلدة الطيبة شرق الزيبان، والموسومة بأولاد جلال نسبة إلى رجل يصنع أجلة الخيل مما يوضع على ظهور الأحصنة، وشاعت في الأوطان ومجلدات التاريخ باحتضانها للعشائر العربية، مع شواهد لطواحين الزيت والأبراج الرومانية، وتمتلك أولاد جلال طابعها الخاص في عمران المساجد وتسقيف الأزقة، وتحتفظ بموروثها الثقافي على غرار الخماسة و التويزة والرّبقة، و تتميز بحراكها الثقافي الذي أسس له العديد من المثقفين من أمثال الفيلسوف كريبع النبهاني والمجاهد الشاعر محمد بن العابد الجلالي، كما أن أولاد جلال التي تشتهر بأجود أنواع الضأن لا زالت تحتفظ بأصالة
كتاتيبها في كل الأحياء، وتلك ميزة نابعة من أصل المدينة القائم على إشعاع الزاوية المختارية الضالع مجدها من زمن الطين والحجرات المتراصة، حيث كان الأولياء يستقبلون المريد، ثم يخرجونه حاملا لكتاب الله وراغبا في إصلاح العالم.
تأسست الزاوية عام 1815 – 1230 ه على يد الشيخ المختار حين بلغ الإذن أجله من الشيخ بن عزوز البرجي الذي تعهده بالتربية والرعاية الروحية، ثم سلك الشيخ المخطار سيرة مشائخه فافتتح منارة لازالت تجود بحفاظها وعلمائها إلى الآن، ويعزى لها جليل الفضل في انتشار المنهج الرحماني في ربوع الجزائر، ولا زالت خزانة الزاوية حبلى بالأسفار ونفائس الكتب من قرائح تلاميذها عبر الزمن، وجهادهم المشرق لا يقل عن ما سطرته أقلامهم في شريعة الله، فقد نصروا وآووا وعزروا كل مقاومة، ، كما هو الشأن مع الشّيخ محمّد الصّغير والشّيخ محمّد بن أبي القاسم مؤسّس زاوية الهامل ، والشّيخ نعيم النّعيمي، إضافة الشّيخ محمّد بن العابد السّماتي، وقدموا شهداء في كل عهد كالشّهيد زيان عاشور، والكثير من الشهداء الذين حاربوا إلى جانب الشيخ الشريف بومعزة، واليوم تتوشح الزاوية البياض، مستقبلة ركب الزائرين من كل فج، وتستمر في تحريض الناس على المحبة.
صحن المسجد والصوامع وغرف الطلبة وجناح الزيار، أضواء الرواق ورائحة الزرابي وأعواد البخور، هي الصورة التي تتجدد عند كل زيارة لفضاء الزاوية المختارية، الحضور والذهول نفسه وإن تكرر في زمنين مختلفين، إصغاء الذات لأنوار يراها الزائر بعين القلب تحت لذة الإلهام و الهواتف، ذوق الإشراق ورحيق الرؤيا، تظل روح الزائر دافقة لما تجود به سماء العارف بذكره المسكوب، فتسيل أودية بقدرها بين القلب واللسان وذهول الجنان.
قبل الوصول إلى الزاوية يستشعر المرء تقصير السلطات في تهيئة الطريق المؤدي إلى الزاوية، و يستشعر برودة الإحتفاء من لدن المؤسسات الرسمية، على الرغم من الكم الغفير من مرتادي الزاوية ومسجدها العتيق، واختلاف مناطقهم بين الوطن وخارجه، لا سيما في المواسم الدينية حيث تتقاطر القبائل من شتى الولايات على منبع الطريقة الرحمانية لتشهد النفوس معقل الصفاء الذي نحت القرآن في الصدور، وتتلمس الروح متعة الذكر في حناجر الطلبة حين تخفق في البهاء باسم الجلالة، فلا تنقطع صور الذكر والحضرة ومديح النبي.
الزاوية المختارية التي انبثقت عنها العديد من الفروع والمراكز، وحسب ما يتداوله روادها لازالت تنتظر اهتماما أوفر يليق بمركزها الإشعاعي، ويدعم السياحة الدينية التي تجعلها السلطات المركزية في آخر الإهتمام.