يعج عالم الادب بالنصوص السردية والشعرية التي تحتفي بالعمى كبئر روحي يتقلب بين العتمة الباهرة وتلمس الخلاص في سدول الظلمة الأبدية، "تنبأ أيها الأعمى" للشاعر أدونيس.. رواية "العمى" لساراماغو.. قصة "بلد العميان" للكاتب لجورج ويلز،.. وغيرها من النصوص الأدبية والفلسفية، إلا أن وجود فضاء حقيقي لأصحاب البصر المفقود، هو ظاهرة شديدة الندرة مثلما هو الحال عليه في العديد من مناطق العالم كقرية دالي كمبة في موريتانيا، وقرية ماهات في اليمن، وفي النقطة الحدودية بين عين الدفلى وتيسمسيلت نجد قرية المكفوفين.
سمي المكان بقهوة الريح بسبب الهبوب المستمر للرياح، ويقع ضمن إقليم بلدية طارق بن زياد بولاية عين الدفلى، محاطا بأشجار التين الشوكي و روابي الصلصال، ويتوارث سكانه صفة العمى في قرية نائية يعتصرها العوز، و يرجع العديد من الأطباء سبب تفشي فقدان البصر لدى سكان قهوة الريح إلى أسباب جينية سببها زواج القربى، ويقول السكان بأن العمى يصيب الأطفال منذ ولادتهم وهناك من يصاب بعد أشهر قليلة من الولادة، في حين يرجح آخرون سبب الظاهرة إلى إيلاف السكان منذ عقود جني فاكهة التين الشوكي أثناء هبوب الرياح مما يخلق فرصة لإصابتهم بأشواك دقيقة تفقدهم البصر بشكل تدريجي.
يلاحظ المارون عبر الطريق الوطني رقم 65 اصطفاف العديد من المكفوفين متكئين على عصيهم في انتظار ما يمنحه العابرون من مساعدات يعيلون بها ذويهم في ظل استفحال الإعاقة البصرية لمعظم سكان القرية، وسط العجز وانعدام المرافق سوى ما يمنحه المارون من إعانات يرمونها من نوافذ السيارات فيتبع المكفوف رنينها على الأرض في مشهد ينحت الأذى داخله، وحدث أن حاولت السلطات إيجاد حلول لسكان المنطقة بإخضاعهم لعمليات جراحية إلا أنهم يعودون لوضعهم البصري بعد مدة وجيزة، وتبقى الإعانات المحدودة من الضمان الاجتماعي غير كافية لتلبية مطالبهم الحياتية، وأشارت دراسة حديثة إلى وجوب ترحيلهم من القرية بناء على فرضية وجود وباء فيروسي يتكاثر في مرتفعات القرية بسبب التقاء عامل الريح وهباء الصلصال وما يطرحه التين الشوكي من عناصر شوكية، وهي فرضية تفتقر للتفسير العلمي .
سكان قرية المكفوفين ورغم ظروف الإعاقة البصرية يحاولون خلق حلول لوضعيتهم في تربية الماشية، وأمل التكفل الاستثنائي بوضعيتهم خارج المنح الزهيدة من مصالح الضمان الإجتماعي، والاستفادة من التبرعات الشعبية بشكل منظم وكريم خارج رمي النقود على وجوههم في قارعة الطريق.